أغرب تصريح لمسئول حكومي صدر هذا الأسبوع، انفردت به وزيرة التربية الوطنية السيدة بن غبريط على هامش زيارة الوزير الأول لولاية تمنراست، جمعت فيه بين "التدليس والتضليل" حين زعمت في جملة واحدة أن "ضعف النتائج المسجلة في الولايات الجنوبية مرده إلى غياب الكفاءة لدى "الكثير" من المشرفين على القطاع"، قبل أن تعلن حربها المقدسة على من وصفتهم بـ"غير الأكفاء".
مواطن التدليس كثيرة، على رأسها تصدير حقيقة كاذبة، تريد أن تحاصر ضعف نتائج المدرسة بولايات الجنوب، وكأن ولايات الشمال تشهد نموا تحسد عليه، وهو تدليس صرف، ونكاية في جانب الحقيقة التي تشهد بتراجع تاريخي في المستوى والنتائج، منذ أن ابتليت المنظومة بذلك الإصلاح الذي هدم بنيانا، كان يحتاج بالضرورة إلى ترميم، واستبداله بمنظومة كل شيء فيها استحضر لتحقيق الفشل والخراب بأعلى قدر من الكفاءة.
موطن التدليس الثاني كان في محاولة صرف النظر عن مسؤولية المضمون البيداغوجي في المقرر، الذي خرب عقول المعلمين والمتعلمين على السواء، وتحميل المسؤولية للجهاز الإداري وسلك التفتيش، المهددين بحرب الاسترجاع الشامل أو الاحتواء الجزئي.
وقبل أن نترك الوزيرة "الكفؤة" تشطح في معركة دونكشوطية على ما شبه لها من طواحين، يحسن بنا أن نذكرها ببعض الحقائق التي تزاورت عنها ذات اليمين، ولم تقرضها ذات الشمال، فتركت "كهف" المنظومة، وقد ضرب على آذان أهله سنين عددا، تحسبهم أيقاظا وهم رقود، فلم تولي منهم هربا، ولا أراها قد ملئت منهم رعبا، حتى نصدق حملة "الصدم والترويع" التي تهدد بها "غير الأكفاء".
الحقيقة الأولى : أن أول ما يفترض أن يلتفت إليه المسئول الأول عن أي منظومة تربوية قد شخص فيها القصور، هو مراجعة مضمون المقرر، الذي يحدد القسط الأكبر من النتائج، يليه تدارك القصور في تكوين المكونين، ثم البحث في المعوقات الثانوية التي علقت عندها الوزيرة.
الحقيقة الثانية: أن "المدرسة الأساسية" قد تركت للمعلم والأستاذ هامشا محترما من المبادرة وحرية الاجتهاد، ولم تقيده كما هو مقيد اليوم بمضامين ومراجع وأساليب بيداغوجية جاهزة للاستهلاك مثل كبسولة الكوكا كولا، بمحتوى رديء، ولغة ركيكة، ومعلومات تزرع الجهل والضلال في عقول التلاميذ، وتفسد ما علق من معرفة في عقول المعلمين، ولو شاءت الوزيرة لضربت لها بدل المثل ألف مثل.
الحقيقة الثالثة: لها صلة بالوعيد الذي صدر في حق "غير الأكفاء" يقف بنا عند معادلة رياضية لا أدري كيف ستعالجها الوزيرة: بالجبر التقليدي، أو بنظرية المجموعات؟ فإذا علمنا أن "غير الأكفاء" ينتمون لواحدة من المجموعات: المنتهية، غير منتهية، الجزئية، أو الخالية، فعلينا أن نسأل ابتداء لأي مجموعة تنتمي الوزيرة وأعوانها المكلفون غدا بإدارة الحرب على مجموعة "غير الأكفاء" وإلا سلمنا إدارة الحرب على مجموعة جزئية "أ" من "غير الأكفاء" لمجموعة جزئية "ب" من "غير الأكفاء".
فهل تمتلك الوزيرة "الكفؤة" مفتاحا لتجاهل حصيلة المعادلة التي وضعت البلد برمته داخل مجموعة جزئية، حيث تكون "أ" مجموعة جزئية من "ب" و"ب" مجموعة جزئية من "أ" ليكون "أ" = "ب" والعلاقة بينهما علاقة احتواء ليس إلا.
الكاتب:
حبيب راشدين