ثلج أبيض .. قلوب بيضاء

ثلج أبيض .. قلوب بيضاء

تصحو على صوت غريب عند النافذة ، مع اطلالة الشمس الاولى. اخاف. اكتشف ان الثلج يتساقط ، اللؤلؤ الصغير تنثره السماء ، بلطف بالغ ، حتى كأن لكل لؤلؤة سيدا يحملها ويوصلها الى مكانها المقرر مسبقا.

كل شيء ابيض. هل قلوب الناس بيضاء. سؤال خطر ببالي. كلما اسودت قلوبنا ، كلما قل قدوم الثلج. وكلما ارتدينا التواضع والبساطة والكرم والطهارة ، جاء الثلج. قبل سنوات طويلة كان الثلج يأتي طوال الشتاء. كنا بسطاء. طيبين. لا ننتظر الثلج حتى نتذكر جارنا ونذهب اليه لنسأله عن احتياجات اطفاله. هل تذكرون كيف كانت ابواب البيوت ايام زمان. كانت مفتوحة دوما. والناس ينامون صيفا والابواب مفتوحة. لان لا غدر ولا لص ولا خوف من احد. منذ ان باتت الابواب مغلقة ، وجلسنا في بيوت وشقق لا يقول فيها الاخ لاخيه مرحبا ، اختلف كل شيء. فرت البركة والبساطة والحياة الجميلة ، وصرنا نطفو فوق بحر من العلاقات المعقدة. غاب الثلج ، ولم يعد يأتي الا في النادر.

جدي كان يقول لي ان الناس كانت ابسط ، كانوا يتجمعون كل ليلة في بيت احدهم ، قبل سنوات طويلة تمتد بالعشرات الى ستين او سبعين عاما. يأتي احدهم وقد احضر "طبخة شاي" اي شايا ناشفا مخلوطا مع كمية من السكر ، ويضعها عند طرف شماغه او رداء رأسه ، ويربط شماغه على "طبخة الشاي" وحين يكون في بيت احدهم ينادي على زوجة صاحب البيت باعتبارها اخته ويقول لها هاتي ابريق الشاي فتحضره ، ويفك عقدة الشماغ ، ويقول ها هي طبخة شاي ينثرها من شماغه الى داخل الابريق ، لتعد لهم الشاي ، بكل بساطة الدنيا ، ورقي مشاعرها ، وبكل بساطة التفسيرات ، فلا عقد ولا مساس بصاحب البيت ، والفقر كان يستنبت اطهر الناس وابسطهم ، فيأتي الثلج ابيض ، لان قلوب الناس بيضاء.

كنا نعد الثلجات فتصل الى عشر ثلجات وعشرين ثلجة خلال موسم الشتاء ، هانحن على مشارف الربيع ، ورزقنا الكريم بهذه الثلجة. مرت فصول الشتاء ، ولم نر سوى ثلجة واحدة. الثلج الابيض بحاجة الى قلوب بيضاء حتى يستمر. كم من واحد منا يسامح الاخر حقا. كم من واحد يعطف على الاخر ، كم من واحد يتذكر شقيقه او شقيقته فيهلع لسؤال احدهما عن حال اولاده وتدفئة بيته. كم من واحد يتذكر امه او والده اليوم بغير المناسبات. للثلج قواعد ، وللثلج دستور خاص به ، كما المطر. قواعد رياضية ذات اصول اخلاقية. كلما ازداد بياض قلوبكم ، جاء الثلج. نحن تغيرنا. لم نعد اولئك البسطاء. اليوم الكل يحسد الكل. الكل ينظر بعين ضيقة الى ربطة عنقك او راتبك او بيتك ، او حتى يحسدك اذا كنت سعيدا ، فيظن ان هناك منفعة رسمت ضحكتك ، ولا يظن ان الله قد يكون بث في قلبك البسط والرحمة فتجلت عليك نسمات القرب والرضى ، حتى لو كنت مفلسا.

ثلج ابيض. وقلوب بيضاء ، مهما اسودت وتغيرت ، لان فينا الخير باق ، ولان تبييض القلب ليس بحاجة الى الكثير. تبييض القلب بحاجة الى جلسة مصارحة مع النفس. لا تسود قلبك. سواد قلبك قد يجعلك تخسر الدنيا والاخرة. احدهم قال عنه الرسول انه سيدخل الجنة ، وحين بحث صحابة الرسول عن السر ، اكتشفوا فقط انه حين ينام يسامح كل الناس. قلب ابيض.

ثلج ابيض وقلوب لا بد ان تعود الى البياض.. عندها لا يغيب الثلج.

mtair@addustour.com.jo