نعيم الدنيا ونعيم الاخرة
في المدينة، كان الناس في ضيق من العيش، وقلة ذات يد، وخوف من العدو، يبيت الرجل ويصبح وسيفه معه، وقد كثر الأعداء، من اليهود، والمنافقين، والكفار، ، ثم هذا عمر يدخل عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ، يقول عمر: فَجَلَسْتُ فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَنَظَرْتُ بِبَصَرِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ، نَحْوِ الصَّاعِ، وَمِثْلِهَا قَرَظًا فِي نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ، وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ. قَالَ: فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ. قَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! وَمَا لِي لَا أَبْكِي وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لَا أَرَى فِيهَا إِلَّا مَا أَرَى، وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَفْوَتُهُ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ! فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ، وَلَهُمْ الدُّنْيَا؟! قُلْتُ: بَلَى.
ما أعظم هذا السؤال: ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة، ولهم الدنيا؟! والله جل وعلا يقول: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ (26)} [سورة الرعد 13/26].
وفي رواية عند البخاري قال: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ؛ فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ قَدْ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ، وَأُعْطُوا الدُّنْيَا، وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، فَجَلَسَ النَّبِيُّ ‘ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: أَوَفِي هَذَا أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟! إِنَّ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي.
إنه درس نبوي عملي، أن النعيم ليس في كثرة المتاع، ولا اتساع العيش، ولكنه في الوصول إلى الهدف الحقيقي من هذه الحياة، وفي المعرفة الحقيقية بالغاية التي خلقنا من أجله