أسوأ ما يمكن أن يشعر به الموظف في قطاع العمل حينما يعيش مشاعر الإحباط وعدم القابلية الكبيرة للعطاء في عمله، وحينما يجد أن من يتولى منصب المسؤول هو بإمكانات محدودة، أو أقل من إمكاناته الوظيفية، فيتراجع في العطاء المهني، ويشعر بعدم الرغبة في الإبداع وتقديم ما هو أفضل، وربما يبدأ بالتصادم والاختلاف الدائم معه؛ بسبب الفارق المهني بينهما؛ لأنه يشعر أن منصب المسؤول أكبر من المسؤول نفسه، وأنه مهنياً لا يستحقه.
ويعاني الكثير من الموظفين من تلك المشكلة، حيث يظلون تحت خط "الضغط" الذي من الممكن أن ينفجر في أي لحظة، فالموظف إذا ما شعر بأن مسؤوله الذي يقوده هو أقل مهنياً منه، فإنه يفقد الشعور بالعطاء، وربما كانت بداية الخلافات الوظيفية، وربما تضخم الشعور وأصبح الموظف يشعر بالظلم، فمن هو أقل منه في الإمكانات هو مسؤول عليه، وهنا يجب أن يعي الموظف أن الشخص الناجح هو من يستطيع تجاوز العقبات والمنغصات والسلبيات، ويجعل من هذه الإشكالية فرصة، بمعنى أنه إذا رأى أن هذه الإدارة لا يحكمها نظام وليس هناك رؤية واضحة، فمن الواجب أن يبحث عن مكان آخر.
ويعاني الكثير من الموظفين من هذه الإشكالية في مختلف القطاعات، حيث لا نظام يحكم "الترقيات"، ففي كثير من الأحيان يفاجئ الموظف ذو الكفاءة العالية و القدرات الكبيرة على الإبداع الوظيفي، والذي قدّم الكثير في مجال عمله، أن الموظف الأقل منه في الإمكانات يتولى منصب أعلى منه، ويصبح مسؤولا عليه، في حين لا يملك هذا المسؤول أي مهارة تخوله لأن يشغل هذا المنصب، فيكون أكبر من إمكاناته، وهنا يبرز أكثر من سؤال؛ ماذا يفعل الموظف الذي يعاني من مشكلة وجود مسؤول أقل إمكانيات منه؟، هل يملك البعض الجرأة والعدالة التي تجعله يرفض منصب ما إذا ما شعر أن المنصب أكبر من قدراته الوظيفية؟، ولماذا لا يكون هناك نظام يحكم الترقيات والترشيح للمناصب بعيداً عن التحيّز ؟.
ومن بين المشاكل التي تظهر في هذا الشأن أن الموظف يعاني ضغوطات كبيرة، قد تكون سبباً مباشراً في فقده القدرة على العطاء في ذلك المكان، فالمشكلة الكبيرة ليست في وجود مسؤول بإمكانات وظيفية أقل من الموظف، بل حينما يمارس هذا المسؤول سلطته على موظف يعلم أنه أفضل منه مهنياً ،و على الرغم من ذلك يصر أن يستغل منصبه ويجبره على أن يخضع لتنفيذ رؤيته في العمل، والتي قد تكون رؤية غير منطقية وفيها من الضعف الكثير، حيث أن كفاءة الموظف عن المسؤول تجعل هذا الأخير يشعر بالضعف مما يدفعه لأن يمارس المضايقات والضغوطات عليه.
إن المرء عليه أن يتعرف على إمكاناته جيداًّ، وأن يعرف مدى حجمه حتى إن تم ترشيحه لمنصب ما، فدائماً هناك السؤال الصريح للذات: هل أنا قادر على أن أشغل هذا المنصب بشكل جيد؟، أم أن المقعد أكبر من قدراتي الوظيفية؟، متأسفةً أن هناك من يكذب الكذبة ويصدق نفسه، يعلم أنه أقل من أن يشغل منصب مسؤول وعلى الرغم من ذلك لا يكتفي بأن يستمر في التمسك في مقعد هو ليس قادر على إدارته بشكل جيد، لكنه أيضاً يحقد على المتميزين، يحاول أن يؤذيهم في أرزاقهم، يصر على أن يحفر لهم في العمل ليوقعهم في مكائده، فيعاني الموظف المتميز من الظلم في عدم أخذ فرصته، وكذلك من مسؤول بإمكانات أقل، وأيضاً حاقد على النجاح والتميز، وعليه يجب أن تكون لدينا القدرة والجرأة على قياس إمكاناتنا، وأن نتعرف على الحقيقة في مدى قدرتنا أن نشغل أي مكان، ومدى توفر الإمكانات لإيصال العمل إلى الصعود للأعلى، وليس فقط الحصول على المنصب لمجرد المنصب فقط، حيث يوجد العديد ممن مناصبهم أكبر منهم، ويظهر ذلك للجميع، وبرغم ذلك لا يتراجعون ولا يعترفون بإخفاقاتهم بل يصرون على المكابرة والتشبث بالإدارة.
وتُعتبر الترقية حق لكل موظف يثبت جدارته وكفاءته في حال توفر الوظيفة المناسبة لمؤهلاته العلمية وخبراته العملية وللترقية حسب الأنظمة الوظيفية معايير وأسس تتم على ضوئها، فهناك معيار الأقدمية الذي ربما يكون ملائماً للترقية على الوظائف السهلة أو النمطية التي لا يتطلب عملها مجهوداً ذهنياً كالوظائف الكتابية ووظائف السكرتارية والنسخ ونحوها، وحسب هذا المعيار يُرتب الموظفون حسب أقدميتهم في المرتبة أو الدرجة المثبتين عليها من أجل شغل المرتبة أو الدرجة المطلوب الترقية عليها وتتم ترقيتهم حسب ذلك. أما المعيار الآخر فهو معيار الكفاءة وبموجبه تتم ترقية الموظف ليس على أساس طول المدة التي قضاها في مرتبته، بل على أساس مدى قدرته وكفاءته حتى وإن وجد من زملائه من يقدمه في المرتبة ولكن أقل كفاءة، وهذا المعيار يناسب الترقية على الوظائف ذات الأهمية كالوظائف الإشرافية والقيادية والاستشارية كالمديرين العاملين ومديري الإدارات ورؤساء الأقسام والوظائف المالية والحسابية والمستشارين القانونيين.
فيا ترى فيما يتمثل معيار الكفاءة ..كي لا يضطر أي مسؤول التنازل عن منصبه!؟
منقول