هوريـــــــــة الجزائريــــــــــة الديمقراطيـــــــة الشعبيــــــــــة
وزارة التربية الوطنية
مديرية التربية لولاية قالمة .
.
بوشقوف (1) .
عرض من إعداد وتقديم السيد : درابلية بوجمعة
مقتصد رئيسى
عناصر العرض
1) الصحة النفسية
2) الصحة النفسية في الأسرة
* تأثير العلاقات بين الوالدين .و الأطفال.بين الأخوة .
3) الصحة النفسية في المدرسة :
*بعض المسؤوليات المدرسة . العلاقات الاجتماعية في المدرسة . المدرسة التقدمية
4) الوقاية من المرض النفسي
* الإجراءات الوقائية الحيوية . الإجراءات الوقائية النفسية
علم الصحة النفسية هو الدراسة العلمية للصحة النفسية و عملية التوافق النفسي ما يؤدي إليها و ما يحققها وما يعوقها . وما يحدث من مشكلات و اضطرا بات نفسية ، و دراسة أسبابها و تشخيصها وعلاجها و الوقاية منها.
إن علم النفس بصفة عامة يدرس السلوك في سوائه و انحرافه . و علم النفس يخدم الصحة النفسية من خلال دراسته العلمية عن طريق الوقاية و العلاج و يمكن النظر إلي علم النفس علي أنه علم الصحة حيث أنه يقدم في مجال الصحة وخاصة الصحة النفسية و العلاج النفسي حيث تطبق كل مبادئ وطرق علم النفس في علاج المشكلات و الاضطرابات السلوكية و الأمراض النفسية وإن فروع علم النفس المرضي وعلم النفس العلاجي وعلم النفس التحليلي والعلاج النفسي و ما تتناوله من موضوعات ومجالات لخير دليل علي العلاقة بين علم النفس و الصحة.
الصحة النفسية
يمكن تعريف الصحة النفسية بأنها حالة دائمة نسبيا ، يكون فيها الفرد متوافقا نفسيا (شخصيا و انفعاليا و اجتماعيا أي مع نفسه و مع بيئته )، ويشعر فيها بالسعادة مع نفسه ، و مع الآخرين و يكون قادرا علي تحقيق ذاته و استغلال قدراته وإمكانيته إلي أقصي حد ممكن ، ويكون قادرا علي مواجهة مطاليب الحياة ، و تكون شخصيته متكاملة سوية ، و يكون سلوكه عاديا ، بحيث يعيش في سلامة و سلام .
و الصحة النفسية حالة إيجابية تتضمن التمتع بصحة العقل و الجسم ، و ليست مجرد الغياب
أو الخلو أو البرء من أعراض المرض النفسي ، و تعريفها حسب منظمة الصحة العالمية للصحة
(who) هي حالة من الراحة الجسمية و النفسية و الاجتماعية و ليست مجرد عدم وجود المرض.
و للصحة النفسية شقان : أولهما شق نظري علمي يتناول الشخصية و الدوافع و الحاجات و أسباب الأمراض النفسية و أعراضها و حيل الدفاع النفسي و التوافق، و تعليم الناس و تصحيح المفاهيم الخاطئة ، وإعداد و تدريب الاخصائيين و القيام بالبحوث العلمية .
و الشق الثاني تطبيقي علمي يتناول الوقاية من المرض النفسي و تشخيص وعلاج الأمراض النفسية .
و الصحة النفسية و المرض النفسي مفهومان لا يفهم أحدهما إلا بالرجوع إلي الآخر، و الاختلاف بينهما مجرد اختلاف في الدرجة و ليس في النوع ، و من المعلوم أنه لا يوجد نموذج مثالي يساعدنا في التفريق الحاد بين الصحة النفسية و المرض النفسي .
الأسرة تعتبر أهم عوامل التنشئة الاجتماعية ، وهي الممثلة الأولي للثقافة و أقوي الجماعات تأثيرا في سلوك الفرد و هي التي تسهم بالقدر الأكبر في الإشراف على النمو الاجتماعي للطفل و تكوين شخصيته و تقوية سلوكه.
وللأسرة وظيفة اجتماعية و نفسية هامة ، فهي المدرسة الاجتماعية الأولي للطفل و هي العامل الأول في صبغ سلوك الطفل بصبغة اجتماعية ، و نحن نعلم أن السنوات الأولي من حياة الطفل تؤثر في التوافق النفسي أو سوء التوافق حيث يكون الأطفال شديدي التأثير بالتجارب المؤلمة و الخبرات الصادمة (1)
و للأسرة خصائص هامة منها أنها الوحدة الاجتماعية الأولي التي ينشأ فيها الطفل ، وهي المسؤولة عن تنشئته اجتماعيا وهي التي تعتبر النموذج الأمثل للجماعة الأولية التي يتفاعل الطفل مع أعضائها وجها لوجه و يتوحد معهم و يعتبر سلوكهم سلوكا نموذجيا يحتذيه .
و تستخدم الأسرة أساليب نفسية عديدة أثناء التنشئة الاجتماعية للطفل مثل الثواب المادي و المعنوي
و العقاب المادي و المعنوي , و المشاركة في المواقف و الخبرات بقصد تعليم السلوك و الاستجابات
و التوجيه المباشر و التعليم .
وقد أجريت عدة بحوث حول دور الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية للطفل و أثر ذلك في سلوكه ، و أوضحت هذه التجارب ما يلي :
* إن المجتمع الواحد توجد فيه فروق في التنشئة الاجتماعية بين طبقة و طبقة و بين أسرة وأسرة وأن الطبقة الاجتماعية الدنيا أكثر تسامحا في عملية التنشئة الاجتماعية
* إن نظام التغذية الذي تتبعه الأم مع الطفل في مرحلة الرضاعة يؤثر في حركة ونشاط الطفل ، لذا يجب إتاحة الفرصة الكافية في الرضاعة و تنظيم مواعيدها و عدم القسوة في الفطام واتباع الفطام المتدرج ، و الفطام في الوقت المناسب .
* كلما كانت عملية التنشئة الاجتماعية للطفل سليمة ، و كلما قل نبذ الوالدين له ، و كلما كانت اتجاهاتهم متعاطفة ، و كلما قل الإحباط في المنزل ، قل الدافع إلى العدوان عند الطفل . و للتنشئة الاجتماعية أثر في الميل إلي العدوان و ضبطه عند الأفراد .
* إن الحماية الزائدة من جانب الوالدين لأطفالهم و التزمت و التشدد في نظام الرضاعة و الفطام تؤدي إلي الاعتماد علي الغير و إلى الاتكالية ، و تربية الأطفال في المؤسسات تجعلهم أكثر ميلا إلي البلادة و أكثر عزوفا علي التفاعل الاجتماعي وأكثر اتكالية وأكثر حاجة إلي انتباه الآخرين و مودتهم .
* إن المستوي الاجتماعي الاقتصادي المتوسط و الأعلى و الاستقرار الاقتصادي أفضل بالنسبة للصحة النفسية عند الطفل .
* إن توجيه الأزواج قبل الزواج و أثناءه عملية ضرورية وواجبة ضمانا للصحة النفسية لهما و للأسرة بأسرها .
1) للتوافق أنواع أخرى :
* التوافق الشخصي و يتضمن الرضا عن النفس .
* التوافق الاجتماعي و يشمل التوافق الأسري و التوافق المدرسي و التوافق المهني و التوافق الاجتماعي بمعناه الواسع .
* السعادة الزوجية تؤدي إلى تماسك الأسرة وهو ما يخلق جوا يساعد على نمو الطفل , يؤدي هذا الجو إلى الشخصية المتكاملة المتزنة .
* الوثائق (الوشائج) و العلاقات السوية بين الوالدين تؤدي إلى إشباع حاجة الطفل بالأمن النفسي .
* الاتجاهات الانفعالية السوية و اتجاهات الوالدين الموجبة نحو الحياة الزوجية و نحو الوالدين تؤدي إلي استقرار الأسرة وإلى الصحة النفسية لكامل أفرادها .
* التعاسة الزوجية تؤدي إلى تفكك الأسرة مما يخلق جوا يؤدي إلى نمو الطفل نموا نفسيا غير سوي .
* الخلافات بين الوالدين تخلق جوا مؤثرا يشيع في جو الآسرة مما يؤدي إلى أنماط السلوك المضطرب لدي الطفل كالغيرة و الأنانية و الشجار و عدم الاتزان الانفعالي.
* المشكلات النفسية للزوجين و السلوك الشاذ الذي قد يقومان به يهدد استقرار الجو الأسري و الصحة النفسية لكافة أفراد ها .
تأثير العلاقات بين الوالدين و الأطفال على الصحة النفسية
• العلاقة و الاتجاهات المشبعة بالحب و القبول و الثقة تساعد الطفل على أن ينمو شخصا يحب غيره ، و يتقبل الآخرين و يثق فيهم .
• العلاقات السيئة و الاتجاهات السالبة و الظروف غير المناسبة تؤثر تأثيرا سيئا على النمو النفسي و على الصحة النفسية للطفل .
العلاقة بين الأخوة :
العلاقات المنسجمة بين الأخوة الخالية من تفضيل طفل على طفل أو جنس على جنس المشبعة بالتعاون ، الخالية من التنافس ، تؤدي إلى النمو النفسي السليم للطفل .
هذا و يجب أن يعمل الوالدان حساب سيكولوجية الطفل الوحيد و الطفل الأكبر و الطفل الأصغر و الطفل الأوسط .
و العلاقات بين الأسرة و المدرسة هامة للغاية و خاصة علاقات التعاون لتبادل المعلومات و التوجيهات فيما يتعلق بنمو الطفل .
كذلك فإن العلاقات الأسرية و بقية العوامل المؤثرة في النمو النفسي للطفل هامة أيضا و خاصة المدرسة ووسائل الإعلام و دور العبادة و جماعة الرفاق .
وعلى العموم يجب العمل على تدعيم العلاقات الأسرية حتى يتحقق أثرها النافع على صحة الطفل النفسية ، و يجب تلافي تصدعها الذي يؤثر تأثيرا ضارا . و من أهم هذه الأسباب انهيار الجو الأسري بسبب موت أحد الوالدين أو كليهما أو هجران أحدهما أو كليهما أو الانفصال أو الطلاق أو السجن أو الإدمان أو المجون وعدم الأمانة و الفقر و البطالة و التشرد و الازدحام و نقص و سائل الراحة و اضطراب العلاقات الزوجية الخاصة.
المدرسة هي المؤسسة الرسمية التي تقوم بالعملية التربوية ، و نقل الثقافة المتطورة
و توفير الظروف المناسبة للنمو جسميا و عقليا و انفعاليا و اجتماعيا .
وعندما يبدأ الطفل تعليمه في المدرسة يكون قد قطع شوطا لا بأس به في التنشئة الاجتماعية في الأسرة ، فهو يدخل المدرسة مزودا بكثير من المعلومات و المعايير الاجتماعية و القيم
و الاتجاهات .و المدرسة توسع دائرة هذه المعلومات و المعايير و القيم و الاتجاهات في شكل منظم، وفي المدرسة يتفاعل التلميذ مع مدرسيه و زملائه و يتأثر بالمنهج الدراسي بمعناه الواسع علما و ثقافة و تنمو شخصيته من كافة جوانبها.
بعض مسؤوليات المدرسة بالنسبة للنمو النفسي و الصحة النفسية:
* تقديم الرعاية النفسية إلى كل طفل و مساعدته في حل مشكلاته و الانتقال به من طفل يعتمد على غيره إلي راشد مستقل معتمدا على نفسه متوافقا نفسيا .
* تعليمه كيف يحقق أهدافه بطريقة لائقة تتفق مع المعايير الاجتماعية مما يحقق توافقه الاجتماعي
* مراعاة قدراته في كل ما يتعلق بعملية التربية و التعليم.
* الاهتمام بالتوجيه و الإرشاد النفسي و التربوي و المهني للتلميذ.
* الاهتمام بعملية التنشئة الاجتماعية في تعاون مع المؤسسات الاجتماعية الأخرى و خاصة الأسرة
* مراعاة كل ما من شأنه ضمان نمو الطفل نموا نفسيا سليما .
و تستخدم المدرسة أساليب نفسية عديدة أثناء تربية التلاميذ منها دعم القيم الاجتماعية عن طريق المناهج ، و توجيه النشاط المدرسي بحيث يؤدي إلى تعليم الأساليب السلوكية المرغوبة و إلى تعليم المعايير و الأدوار الاجتماعية و القيم ، و الثواب و العقاب ،و ممارسة السلطة المدرسية في عملية التعليم ،و العمل على فطام الطفل انفعاليا عن الأسرة بالتدريج وتقديم نموذج صالح للسلوك السوي ، أوفي شكل نماذج تدرس لهم أو نماذج يقدمها المدرسون في سلوكهم اليومي مع التلاميذ.
تأثير العلاقات الاجتماعية في المدرسة على الصحة النفسية للتلميذ:
* العلاقات بين المدرس و التلميذ تؤدي إلى حسن العلاقة بينهما و إلى النمو التربوي و النمو النفسي السليم إذا قامت على أساس من الديمقراطية و التوجيه و الإرشاد السليم .
* العلاقات بين التلاميذ بعضهم ببعض تؤدي إلى الصحة النفسية إذا قامت على أساس من التعاون و الفهم المتبادل .
* العلاقات بين المدرسة و الأسرة،و التي تكون دائمة الاتصال ( و خاصة عن طريق مجالس الآباء و المعلمين ) تلعب دورا هاما في إحداث عملية التكامل بين الأسرة و المدرسة في عملية رعاية النمو النفسي للتلميذ .
وتتعدد مجالات تطبيق الصحة النفسية في المدرسة ،في فلسفتها وفي إدارتها و في مناهجها و مدرسيها و العناية بتلاميذها والعلاقات بين المدرسة و الأسرة ... الخ .
بعكس المدرسة التقليدية والتربية التقليدية رسالتها التربية بمعناها الواسع ، فالتربية عملية حياة يتعلم فيها الفرد حياة عن طريق نشاطه هو و بتوجيه من المربي .
ووظيفة المدرسة التقدمية و أهدافها تكمن في تكوين و نمو و توجيه شخصية التلميذ من كافة جوانبها جسميا و عقليا و انفعاليا و اجتماعيا في توافق و توازن ،إذ أن التحصيل العلمي و إكساب المعرفة والمعلومات ليس ، و ينبغي ألا يكون بؤرة تركيز المدرسة، و لكن يجب أن يضاف إلى ذلك الاهتمام بتوافق التلميذ شخصيا و اجتماعيا و بصحته النفسية و الجسمية و بتكوين عادات سلوكية سليمة و اتجاهات موجبة نحو المدرسة و نحو العمل و نحو الأشخاص بصفة عامة حتى يشب إنسانا صالحا .
وفي وضع المناهج يجب عمل حساب الصحة النفسية للتلاميذ و المربين أيضا ،فيجب أن تكون المناهج مناسبة تراعي حاجات التلاميذ و قدراتهم ، ويجب أن يكون المنهج مرتبطا بمواقف الحياة الطبيعية ، كما يجب الاهتمام بملائمة الجو الاجتماعي داخل الفصل و خارجه و باختصار يجب عمل حساب كل الخصائص النفسية للتلميذ حسب مرحلة النمو و التي يمر بها . أما عن المدرس في العملية التربوية فإنه :
*يلعب دورا هاما في عملية التربية وفي رعاية النمو النفسي و تحقيق الصحة النفسية للتلميذ ، فهو دائم التأثير في المتعلم منذ دخوله المدرسة حتى تخرجه ،و هو نموذج سلوكي حي يحتذيه و يتقمص شخصيته و يقلد سلوكه ، وهو ملقن علم و معرفة ،و هو ينمي معارفهم و يوجه سلوكا يصحح سلوكاتهم إلى أفضل عن طريق و ضعه في خبرات سلوكية سوية .
* إن المدرس ليس ناقل معلومات و معارف فقط و لكنه بالإضافة إلى ذلك معلم مهارات تشخص مظاهر و أعراض أي اضطراب سلوكي ، مصحح و معالج لهذا الاضطراب .
* ويجب أن يكون المربون (المعلمون و الوالدان ) يتمتعون هم أنفسهم بالصحة النفسية و الاستقرار النفسي و التوافق مع التلاميذ و الديمقراطية في التعامل معهم ، و أن تكون نظرتهم إلى الحياة نظرة إيجابية متزنة.
*و لا يفوت أن نذكر أن مشكلات المدرسين و مظاهر سوء توافقهم الشخصي و الاجتماعي يجب العمل على حلها ، و من هذه المشكلات ما يتعلق بالناحية الاقتصادية و الوضع و المكانة الاجتماعية و التعب والإرهاق و نقص الإمكانيات و قلة تعاون الوالدين ... الخ .
* ونحن نعلم أن الصحة النفسية للتلاميذ تتأثر بشخصية المربي الذي يجب أن يكون قدوة صالحة لتلاميذه في سلوكه ، إن المربي الذي يقول ما لا يفعل يجب أن يعلم أن خير ما يعلمه لأبنائه قوله : " افعلوا مثلما أفعل ، و ليس مثلما أقول " .
* و يجب أن يكون في الحسبان أنه كلما كانت العلاقة سوية بين المربين و الأولاد و بين الأولاد بعضهم ببعض و بين المدرسة و الأسرة كلما ساعد ذلك على حسن توافقهم النفسي و شعورهم بالأمن و هو ما يؤدي إلى النجاح و التوفيق . ولذلك يجب العمل على تكوين اتجاهات موجبة لدى المربين وذلك عن طريق التوجيه والإرشاد للمربين ومجالس الآباء و المعلمين .
* و هكذا نجد أن على المدرس أن يعمل كمرب يعلَم و يوجه و يعالج ، في بعض الأحيان . إنه يعلَم العلم و يوجه النمو و يعالج ما يستطيع علاجه من مشكلات تلاميذه ويحيل ما لا يستطيع علاجه إلى الأخصائيين في العيادات النفسية .
* إن مفهوم المدرس المرشد من أهم المفاهيم التي يجب و ضعها في الحسبان في إعداد المعلم في بلادنا ما دام المعالجون النفسيون غير متوفرين في مدارسنا .
وفي ضوء ما سبق نجد أن التربية تشترك في كثير من أهدافها مع الصحة النفسية و إن اختلفت في بعض و سائل تحقيقها (تحقيق هذه الأهداف ).
إن علماء التربية و علماء الصحة النفسية، وعلى الرغم من الاختلاف في تخصصهما ، يعملون لتحقيق هدف مشترك هو إعداد بناء الشخصية المتكاملة للمواطن الصالح من أجل أن يشعر بالسعادة و الصحة و التوافق النفسي .
يوجه علم الصحة النفسية و علم النفس اهتماما كبيرا إلى الوقاية من المرض النفسي أو ما يطلق عليه البعض " التحصين النفسي " بقدر ما يوجه إليه من عناية بفهمه و تشخيصه و علاجه . ونحن نعرف أن الوقاية خير من العلاج ، وأنها تغني عن العلاج ، و نحن نعلم أنه و للوقاية من المرض النفسي ينبغي معرفة أسباب الأمراض النفسية و إزالتها ، و تحديد الظروف التي تؤدي إليها حتى نضبطها و نقلل آثارها ،كما ينبغي تهيئة الظروف التي تحقق الصحة النفسية ، ويقسم البعض الوقاية إلى أولية و ثانوية ، و من الدرجة الثالثة فالأولى تحاول منع حدوث المرض و الثانية تحاول تشخيص المرض في مرحلته الأولى و الثالثة تحاول تقليل أثر المرض .
*و تركز الخطوط العريضة للوقاية من المرض النفسي في الإجراءات الوقائية الحيوية ، و الإجراءات الوقائية النفسية ، و الإجراءات الوقائية الاجتماعية .
الإجراءات الوقائية الحيوية : ترتكز الإجراءات الوقائية الحيوية على التأكيد على خدمات رعاية الأم قبل الحمل و أثناءه و الرعاية الصحية التالية للفرد .. و تحاول كذلك تعديل العوامل التناسلية بحيث نحصل على أفراد أصحاء منذ البداية .و تتضمن الإجراءات الوقائية الحيوية ما يلي :
الصحة العامة : و تشمل:
* رعاية الأم طبيا و نفسيا منذ وقت الإخصاب و أثناء الحمل و عند الولادة و بعدها ، و خاصة الأم التي سبق أن أنجبت أطفالا غير كاملي النمو أو أولادا بهم تلف في المخ.
* وقاية الأطفال من الأمراض وتنمية المناعات لديهم و تحصينهم و تطعيمهم ضد الأمراض المعروفة و تزوديهم بالتغذية الملائمة في الطفولة .
* تكوين عادات العناية بالجسم و النظافة .
* التخلص من العوامل الخطيرة في البيئة و مراعاة الاحتياجات الخاصة بالسلامة و تجنب الحوادث .
* إعداد الوالدين لدور الوالدية و توجيههما بخصوص الأهمية الانفعالية لميلاد الطفل و المشكلات النفسية و الطبية للأطفال.
* تغير العوامل غير السليمة في مواقف الحياة لضمان علاقات عائلية هادفة و لضمان بيئة نفسية صحية بالنسبة لكل من الأطفال و الوالدين .
* الفحص الطبي الدوري لضمان الاكتشاف المبكر لأي مرض عضوي .
*تهيئة الظروف التي تؤدي إلى أفضل مستوى لضمان وسيلة لمقاومة ضغوط الحياة .
* العلاج النفسي و الاجتماعي المبكر لإزالة العوامل المسببة للاضطرابات و مساعدة الفرد على تحقيق التوافق النفسي على المدى القريب و البعيد .
النواحي التناسلية : و تشمل :
* منع ولادة أطفال لوالدين لهما أمراض وراثية " و يصل الحال في بعض الدول إلى حد تعقيم المرضى العقليين " .
* رسم خريطة كروموزومية للعروسين تفيد في التنبؤ باحتمال و جود أي مرض عضوي في نسلهما مستقبلا.
* دراسة التركيب الفعلي للمورثات "الجينات " للتفريق بين المورثات العادية و المرضية و إذا أمكن،تصحيح الوضع مما يؤدي إلى منع المرض الوراثي .
الإجراءات الوقائية النفسية : عرفنا ما هي الصحة النفسية ، و مفتاح الصحة النفسية هو أن ينمو الفرد نموا سليما و ينشأ تنشئة اجتماعية سوية و أن يتوافق شخصيا و اجتماعيا و مهنيا و أن يعرف مشكلاته حين تطرأ في حياته و يحددها و يدرسها و يفسرها و يضبطها و يعالجها .
و تتضمن الإجراءات الوقائية النفسية ما يلي:
النمو النفسي السوي : و يشمل :
- العمل على تحقيق أكبر درجة من النمو و التوافق في كل مراحله و في كافة مظاهره في ضوء مطالب النمو بغية تنشئة أجيال ( من الأطفال و المراهقين و الراشدين وحتى الشيوخ ) يتمتعون بالصحة الجسمية و النفسية و السعادة الاجتماعية و القدرة على الإنتاج.
- ضمان وجود علاقة متينة مع الوالدين أو من يقوم مقامهما ومع الأهل .
- المرونة في عملية الرضاعة والتدريب على الإخراج و التنشئة الاجتماعية .
- الحرية التي تتناسب مع درجة النضج .
- التوجيه السليم و المساندة و ضرب المثل و الأسوة الحسنة أمام الطفل .
- سيادة جو مشبع بالحب يشعر فيه الطفل بأنه مرغوب فيه محترم و ينظر إليه كعضو هام في الجماعة.
-عمل حساب أثر المستوى الاجتماعي و الاقتصادي في عملية النمو ، و ذلك بإثراء حياة المواطنين بحيث تختفي العوامل التي تأثر تأثيرا سيئا في نمو الشخصية .
- تعليم الوالدين و تأكيد أهمية العلاقات الصحية بينهما و بين الطفل و لفت الأنظار إلى خطورة العلاقات السيئة و الظروف غير المناسبة و التربية الخاطئة وأثرها على الصحة النفسية .
- إعداد الوالدين بالمعلومات الكافية عن النمو النفسي للأطفال ، ضمانا للنمو النفسي الصحي للشخصية .
- تزويد الوالدين بالمعلومات عن الحاجات النفسية للأطفال و كيفية إشباعها .
- توجيه الوالدين و ارشادهما بما يحقق وجود مناخ نفسي صحي يؤدي إلى الصحة النفسية لكل أفراد الأسرة .
- ضمان وجود التعاون الكامل بين الأسرة و المدرسة في رعاية النمو النفسي للأطفال .
- ضمان ملاءمة المناهج التربوية لمرحلة نمو التلاميذ و قدراتهم و حاجاتهم .
- القيام بالتربية الجنسية في إطار التعاليم الإسلامية و المعايير الاجتماعية و القيم الأخلاقية و الضمير بهدف تحقيق التوافق و السلوك الجنسي السوي .
- الاهتمام بنمو الشخصية بكافة مظاهرها جسميا و عقليا و اجتماعيا و انفعاليا ...الخ.
نمو المهارات الأساسية : و يشمل :
* تحقيق التوافق الانفعالي و يتضمن ما يلي :
- رعاية النمو الانفعالي و تربية الانفعالات و ترويضها من أجل تحقيق التوافق الانفعالي .
- العمل على التخلص من الحساسية الانفعالية .
- القدرة على السلوك السوي بانفعالات عادية و القيام بواجبات رغم هذه الانفعالات.
- القدرة على ضبط الانفعالات المشكلة (الخوف ،الغضب ،الحزن ، العدوان ...).
- تشجيع الانفعالات الإيجابية ( الحب ، المرح...).
* تحقيق التوافق الاجتماعي : و يتضمن :
- رعاية النمو ، تنمية الذكاء ...
- معرفة الحقوق ،الواجبات ،الأدوار ، التفاعل الاجتماعي في ضوء المعايير الاجتماعية المرتضاة
* رعاية النمو العقلي و تتضمن :
- رعاية نمو المهارات العقلية و الذكاء و التحصيل و تنمية الابتكار و التوافق المدرسي .
- نمو المهارات الكافية في التعلم و حل المشكلات و اتخاذ القرارات .
- التوجيه التربوي الذي يتضمن تحقيق مستقبل تربوي ناجح و موفق .
* المساندة أثناء الفترات الحرجة و تشمل :
-المساندة الانفعالية للأفراد في مواجهة المواقف الأليمة مثل الطلاق أو موت عزيز أو عملية جراحية ... الخ .
- المساندة العملية للطفل من جانب الوالدين لتجنب الصدمات الانفعالية التي قد تحدث نتيجة الإيداع بالمستشفي لتفادي القلق الذي يسببه البعد عن الأسرة أو الناتج عن المرض في حد ذاته .
- تهيئة الظروف اللازمة للنمو النفسي السوي في حالة فقدان أحد الوالدين أو كليهما .
التنشئة الاجتماعية : و تشمل :
- مساعدة الأطفال و المراهقين خلال عملية التنشئة الاجتماعية في تعلم الأدوار الاجتماعية و القيــم و المعايير الاجتماعية و فلسفة الحياة .
- نمو المهارات المتعلقة بالصحة النفسية و التوافق الشخصي و الاجتماعي و التي تجعل الفرد يشعر بأهميته و يثق في نفسه .
الإجراءات الوقائية الاجتماعية :
يولي العلماء اهتماما متزايدا بالإجراءات الوقائية الاجتماعية ، و تتضمن هذه الإجراءات ما يلي :
الإجراءات الاجتماعية العامة : و تشمل ما يلي:
* رفع مستوي المعيشة و الاهتمام بالسكان و التخطيط السكاني و وسائل المواصلات و تيسير الخدمات الاجتماعية و تسيير خدمات الصحة النفسية في المجتمع .
* الاهتمام ببرامج التوعية ووسائل الإعلام المختلفة و توجيه وإرشاد الوالدين و الجمهور بصفة عامة و بكل ما يتعلق بالوقاية من المرض النفسي .
* الاهتمام بالبرامج الوقائية في مراكز رعاية الأسرة و مراكز رعاية الطفولة و الأمومة و مراكز رعاية الشباب و مراكز رعاية الشيوخ و العيادات النفسية و مراكز الإرشاد النفسي.
التقييم و المتابعة : و تشمل :
* تقيم نتائج الجهود الوقائية و العلاجية و الآثار الجانبية لبعض أنواع العلاج ووسائله .
* تقييم برامج الصحة النفسية التي تقوم بها المؤسسات العامة و المؤسسات الخاصة .
* تقييم و متابعة عمل المعالجين النفسيين و الأطباء النفسيين في عملهم الحر .
تقع مسؤولية تخطيط الإجراءات الوقائية من المرض النفسي على عاتق المؤسسات النفسية و الاجتماعية و الطبية و المعاهد العلمية المتخصصة في هذا المجال ، و هناك مسؤولية متبادلة تحتم ضرورة المشاركة في التخطيط بين كل الجهات المعنية لصالح الجميع .
إن برنامج الوقاية يجب أن يتناول ظروف الفرد و الجماعة و المجتمع و يجب أن يختلف بحسب عضو الأسرة الذي يوجه إليه، و يجب أن يوجه على مستوى المجتمع في مجالات التربية و العمل و الصحة ... ، و على مستوى الأحداث الهامة كالزواج و الولادة و التقاعد ... ، و على مستوى احتمال الاضطراب لدى الفرد أو الأسرة أو في المجتمع .
و لا شك أن المجتمع الذكي هو الذي يهيئ المناخ الاجتماعي و الثقافي الذي ييسر النمو السوي لأفراده و جماعاته و يقوم بكل ما يكفل الوقاية من المرض النفسي .
و لعل المواطنين يتعودون على إجراء الفحص النفسي الشامل دوريا من أجل الوقاية من الاضطرابات و الأمراض النفسية ، و لعل مدارسنا تبدأ بتقديم هذه الخدمات الضرورية .
بوشقوف في : 2014/01/31