شباب طردوا من المدرسة فتحوّلوا إلى عباقرة في الإعلام الآلي
لم يتخرجوا من الجامعات، بل إن أكثـرهم تعثـر في حياته الدراسية، ولم يتجاوز البعض منهم مرحلتها المتوسطة، لكنهم تجاوزوا كل ذلك واكتسبوا خبرات لا يملكها خريجو الجامعات المتخصصون، فأصبحوا يقودون جيلا من ''التكنولوجيين'' العصاميين في مجال الإعلام الآلي.
رواد صناعة الكمبيوتر في بلادنا ليسوا تلك الشركات الثرية برؤوس أموالها الضخمة وفروعها المنتشرة عبر العالم وفرق باحثيها المتخصصين، إنهم شباب بسطاء جدا، أغلبهم من عائلات متواضعة، اكتسحوا مجال الإعلام الآلي، بقطع غيار مستعملة من سوق الخردة أو محلات التصليح أو من السوق الموازية، وبمعارفهم العلمية البسيطة جدا، فأصبحوا ينافسون منتجات الشركات الضخمة في المجال، ليس بجودة منتجاتهم، وإنما بإتاحتهم هذه التكنولوجيا للجميع. أما العمل فقد يكون في إحدى زوايا البيت الضيقة، في مطبخ العائلة أو حتى في رواق البيت.
زبائنهم من محيطهم أقارب وجيران، وقد يتسع حسب جودة المنتج ومواكبة الاختراعات وإتقان فن العلاقات، تماما مثل أي شركة صناعية. فيلجأ لهم كل من يحتاج إلى خدماتهم من تلاميذ وطلبة الجامعات وحتى الأساتذة، لتتعدى طلباتهم مجرد التصليح إلى التركيب مائة بالمائة، أو اختراع بدائل لقطع معطلة.
كمبيوتر للكتابة فقط، أو لقراءة الأفلام والتسجيل والنسخ.. أو ربما بإضافة ميزات أكثر تطورا، لتسريع رحلات الغوص في الأنترنت أو الذهاب أبعد في استعمالاته، تماما على مقاس الزبون. بينما الثمن لا يتعدى أربعة آلاف أو خمسة آلاف دينار، مقابل منتج لا يمكن اقتناؤه بأقل من خمسين ألف دينار، بفارق في الشكل الخارجي فقط وبعض ميزات الاستخدام.
عدد هؤلاء يتضاعف باستمرار، إلا أن منهم نخبة تألقت بكل المقاييس. يوسف ابن الاثنين والعشرين عاما، أحد هؤلاء، قاطع الثانوية في عامها الأول بعد مشاكل مع أستاذ الرياضيات، ما جعل الإدارة تجزم لوالده المصدوم أنه لا يصلح لشعبة الرياضيات.. إلا أن شهورا قليلة كانت كفيلة بتحويل غرفته إلى مخبر حقيقي لآلات الكمبيوتر، بعد فترة انكفأ فيها على الخربشة في حاسوبه الخاص، وانتهى بالبحث عن محل للكراء، لاستقبال زبائنه بعد أن غزت القطع الكهربائية المنزل وضاقت بها الوالدة. يقول يوسف إن آلته فتحت له بابين، الأول عندما أتاحت له الاطلاع على قطعها الإلكترونية، والثانية عندما سمحت له بدراسة الكمبيوتر بواسطة البرامج المسجلة على الأقراص المضغوطة.
كمال.ع، غادر مقاعد الدراسة هو الآخر في سن مبكر، بعد أن كتب في كشف النقاط ''ينتقل إلى الحياة المهنية''. وفي هذا الشأن، يقول ''هي أكبر خدمة قدمتها لي المنظومة التربوية، فلولا هذا لما أصبحت اليوم خبيرا في مجال البرمجة''. فكمال تحوّلت حياته بعد أن قام باقتناء حاسوب منتصف التسعينيات، مع بزوغ عصر الأنترنت، وقاده فضوله للخوض في مجال الإعلام الآلي، من خلال التكفل بنفسه بإصلاح أعطاب آلته، ليصبح مقصد الجميع من أقارب وأصدقاء إن صادفهم مشكل مع حواسيبهم.
واستطاع كمال أن يظفر بمنصب مسؤول عن أنظمة الإعلام بشركة أجنبية وضعت الثقة في عبقريته، ومنحته فرصة تكوين معمّق في المجال. خريج المدرسة في السنة التاسعة متوسط استطاع أن يفرض ذاته، فتزوج من طبيبة وهو الآن يعمل بنفس الشركة الأجنبية. ''ليس غريبا، يقول الأستاذ حسين. م المتخصص في الرياضيات بجامعة الصومعة، أن يظهر شبان بهذه البراعة في صناعة الكمبيوتر، خصوصا أولئك الذين توقفوا في مراحل الدراسة المتوسطة، أي الفترة التي تتفجر فيها المواهب والإبداعات. لكن نظامنا الدراسي، للأسف، أعاقهم ولم يسمح ببروز مهاراتهم. وليس غريبا أن يبرع هؤلاء عوض غيرهم من المتخصصين في المجال، لأن الذين يتجهون لدراسة الإعلام الآلي في بلادنا، في الغالب هم من طبقة تبحث عن وظائف مرموقة ولا تتطلب الكثير من الجهد، لذلك لا يمكننا توقع الإبداع من هؤلاء. هذه الثقافة التكنولوجية، يضيف الأستاذ، يفترض أن تتواجد فقط في المجتمعات الأمريكية أو الروسية أو الآسيوية المتخصصة في تقليد المنتجات، لتراكم المعارف والمنتجات التكنولوجية فيها منذ سنوات، بما يسمح بما يسمى ''بعملية الاسترجاع''، لكن شخصية الجزائري تجعل منه قادرا على استغلال كل ما يتاح أمامه من جديد، فهو بارع في التصرف بمفرده لإصلاح تلفزيونه الخاص والراديو أو السيارة''.
__________________
اشهد ان لا اله الا الله
واشهد ان محمد رسول الله